أثر التفاؤل والتشاؤم في تحقيق النجاح

بواسطة عدد القراءات : 2337
حجم الخط: Decrease font Enlarge font

 

حمودي العيساوي

إن للتفاؤل والتشاؤم دوراً كبيراً في حياة الفرد ، فهما مصطلحان متضادان ، أحدهما يوصل صاحبه إلى النجاح ، والآخر يلقي بصاحبه في مهاوي الفشل ، فالتفاؤل : (( نظرة استبشار نحو المستقبل ، تجعل الفرد يتوقع الأفضل ، وينتظر حدوث الخير ، ويرنو إلى النجاح ، ويستبعد ما خلا ذلك )) ، أما التشاؤم فهو (( توقع سلبي للأحداث القادمة يجعل الفرد ينتظر حدوث الأسوأ ، ويتوقع الشر والفشل وخيبة الأمل ، ويستبعد ما خلا ذلك إلى حد بعيد )) ، فالمتفائل شخص يشعر بأنه لا بد من أن يكون الغد أفضل ، أما المتشائم فانه شخص لا يتوقع الخير أبدا ، فيصاب بالإحباط وخيبة الأمل التي تقوده إلى اليأس ، فإذا نظر الإنسان إلى الغد بأنه أفضل، عد فشله كتجربة مفيدة تؤهله للنجاح ، وتولد بنفسه أمل يضيء دربه  ويدفعه للعمل الجاد من أجل تحقيق أهدافه ، وبذلك ينجح وينال ما يطلب ، أما المتشائم فتشاؤمه يقوده إلى اليأس والإحباط ، فيرى كل شيء حوله مظلماً ، فيصاب بالكسل والخمول ، ولا يستطيع تحقيق أي نجاح في حياته فيجد نفسه إنسانا فاشلا لا يصلح لأي شيء ، فالتفاؤل يقود إلى الأمل أما التشاؤم فيؤدي إلى اليأس ، واليأس المفتاح الأول للفشل ، كما (( عد اليأس واحدا من الخصائص الأساسية للاكتئاب ، كما انه " أي اليأس " يدخل في عدد آخر من حالات الاضطراب كالانتحار و الفصام و الإدمان على الكحول والمرض العضوي )) ، فإذا كان اليأس الذي يتولد عن طريق التشاؤم بهذه الخطورة ، فعلى الإنسان الذي ينشد النجاح ويبحث عنه ، الابتعاد عن التشاؤم واليأس ، و عليه أن يبعد نفسه عن كل فكرة تقوده  إلى الفشل ، فان لأفكار الإنسان وتفكيره تأثيراً عظيماً على نفسه وتصرفاته، فلا بد من الهروب من اليأس إلى روح الأمل والعمل من أجل تحقيق نجاح باهر ومستقبل زاهر .   

والقرآن الكريم دعا إلى الأمل والتفاؤل ، ونهى عن اليأس والتكاسل ، ووجه تعالى عباده إلى أن ينظروا إلى الفشل ، أو وقوع ما يكرهونه خيرا لهم ، قال تعالى :    ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾.

هذه الآية الكريمة كما هو واضح من السياق تتحدث عن القتال ، المكروه لدى النفس الإنسانية بلا شك ، ولكن يجب أن نلتفت إلى (( إن هذا الإيحاء الذي يحمله ذلك النص القرآني ، لا يقف عند حد القتال ؛ فالقتال ليس إلا مثلاً لما تكرهه النفس ، ويكون من ورائه الخير .. إن هذا الإيحاء ينطلق في حياة المؤمن كلها ، ويلقي ظلاله على أحداث الحياة جميعها .. إن الإنسان لا يدري أين يكون الخير وأين يكون الشر ... )) ، فلو عمل الإنسان بمضمون هذه الآية الكريمة ، وعممها على حياته ، ونظر إلى كل ما يواجهه في الحياة من فشل أو مكروه أو مصيبة ، على انه تجربة تقوده إلى النجاح ، وقد يكون بهذا الفشل خير لا يعلمه فيظنه شراً ، لما أصيب الإنسان بالتشاؤم واليأس والإحباط .

فهذا النص القرآني يجعل من المتلقي إنساناً متفائلاً ناجحاً يرى في فشله خيراً له ، ويعتقد انه قد يكون فيما يظنه شراً له خير وفيما يظنه خيراً له شر ، وبذلك يتولد في نفسه طموح ورغبة للعمل من أجل تحقيق ما يصبو إليه ، فيقطع دابر التشاؤم و اليأس ، ويتحلى بالتفاؤل والأمل ، مما يجعله إنساناً ناجحاً في الدنيا والآخرة .

والأمل خلق الأنبياء والصالحين ، بعكس اليأس الذي يعد من خصائص القوم الكافرين بالله تعالى ، فنبي الله يعقوب (( عليه السلام )) ربى بنيه وأتباعه على الأمل ، فهو بعد أن فقد يوسف لم ييأس من تحقيق هدفه المتمثل في لقاء ولده على الرغم من طول الفراق ، ومضي السنين ، فنراه يحث أولاده على البحث عنه ، بعد أن يئس أخوته من العثور عليه لطول الفترة الزمنية ، ولعدم علمهم بمكانه ، فقال جل وعلا عن لسانه : ﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ  ﴾ .

لو تأملنا هذا النص القرآني جيداً ، لوجدناه يحمل في طياته مضامين عالية في مجال النجاح ، فهو يبدأ بأمر نبي الله يعقوب بنيه بالذهاب والتحسس ، والتحسس هنا يراد به العمل ، فهو عندما قال : (( اذهبوا وتحسسوا ولا تيأسوا ، قرن الأمل بالعمل ، ومعنى هذا انه إذا انتفى العمل انعكست الآية، واقترن اليأس بالكسل ، وصحت القاعدة طردا وعكسا . وكان الأمل والرجاء مع الإهمال جهلا وسفها .. وكلمة تحسسوا توحي بوجوب العمل بكل الحواس ظاهرها وباطنها .. وهكذا العاقل إذا نزلت به نازلة دفعت به إلى الكفاح والنضال للقضاء على أسبابها .... )) .

وبعد أن تم الأمر بوجوب العمل مع الأمل لتحقيق النجاح ، جاء الأمر الثاني بالنهي عن اليأس من روح الله ، ونلاحظ ان النص الكريم قد اختار كلمة روح، هذه الكلمة الشفافة التي فيها (( ظل الاسترواح من الكرب الخانق بما ينسم على الأرواح من روح الله الندي )). لتناسب معنى الأمل المستمد من الإيمان بالله تعالى الذي يشع نوره في نفس المتفائل في أصعب الظروف .

وبعد ذلك يخبر النص الكريم بأنه " لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون" ، وهذه العبارة الدقيقة توحي للمتلقي بأن الإنسان المؤمن بالله تعالى إنسان يتمتع بروح الأمل والتفاؤل ، ويبغض اليأس والتشاؤم ، وهو بالتالي إنسان مطمئن راضٍ بقدره ناجح في حياته .  

نخلص من ذلك إلى الآتي :

1 – وجوب اقتران التفاؤل والأمل بالعمل ، ولا خير في تفاؤل أو أمل بلا عمل ، لأن التكاسل لا يؤدي إلى نتيجة مرضية ، ولا يحقق أي نجاح على أي صعيد في حياة الإنسان .  

2 – النهي عن اليأس بكل أشكاله ، فهو من صفات الكافرين لا المؤمنين بالله وحده.

وبعد ذلك تبين أن التفاؤل والأمل خلق القرآن الكريم ، وبالتالي فهو خلق من آمن بالله تعالى إيماناً حقيقياً ، فالله تعالى بين لعباده في محكم كتابه العزيز ما للأمل والتفاؤل وعدم اليأس من دور في حياتهم ونجاحهم قبل أن يصل الإنسان إلى ذلك بالعلم .

ولم يقف القرآن الكريم في النهي عن اليأس عند حد الأمور الدنيوية ، كما فعل العلماء ، بل تعدى هذه الحدود ونهى عن اليأس والقنوط حتى في مجال الأمور المتعلقة بالآخرة ، فالإنسان المسلم ليس معصوما عن الخطأ ، فهو معرض إلى اقتراف الذنوب في حياته ، وإذا يئس من غفرانها من قبله تعالى ، أصيب بالإحباط ، وعاش في أزمة نفسية خانقة ، متمثلة في الاكتئاب والقلق ، وبالتالي التوقف عن عمل الخير في كل أنواعه وضروبه ، لأنه يائس من أن ينفعه شيء ، وبالتالي أصبح فردا منسلخا من الدين ، لا يأمن مجتمعه شره .

والقرآن الكريم عمد إلى علاج هذه المشكلة قبل وقوعها ، وبث روح الأمل والتفاؤل في نفس الإنسان المذنب ، فخاطبه بأسلوب عذب ، وبكلمات تبعث في النفس طمأنينة ، فقال جل وعلا مخاطباً إياه : ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحيم ﴾.

يلاحظ أن هذه الآية الكريمة بدأت بخطاب الله تعالى للمذنبين بقوله :  " يا عبادي " هذا التعبير الذي يعتبر (( قمة في الرحمة ، أن يدعو الرب المسرفين من خلقه بهذه الكلمة " عبادي " التي تختلف عن كلمة " عبيد " حيث يختص الخطاب بها بالعباد الصالحين عادة ، لكنها هنا تشمل – كما رحمة الله – حتى الذين تجاوزوا الحدود ، فلم يلتزموا بالشرائع الإلهية ، بل وأسرفوا في المعاصي والذنوب ، إلا أن الله لم يطردهم عن باب رحمته التي وسعت كل شيء إنما فتحه لهم على مصراعيه ، ودعاهم إلى التوبة ، كما نهرهم عن القنوط واليأس )) .

فهذا الخطاب الرقيق الذي يناغم النفوس ، يبعث في نفس المتلقي طمأنينة ، فهو وان كان عاصيا لا يزال في إطار رحمة ربه ، بشرط عدم اليأس والقنوط من رحمته تعالى وغفرانه ، والتوبة النصوح .

 

وهذا النوع من التفاؤل اختص به القرآن الكريم ، فالعلم عالج النجاح في تحقيق الأهداف الدنيوية فقط ، في حين أن القرآن الكريم بين طرق النجاح في الدارين ، الدنيا والآخرة .

لا توجد تعليقات

أضف تعليقك

  • عريض
  • مائل
  • تحته خط
  • إقتباس

من فضلك أدخل الكود الذي تراه في الصورة:

Captcha
  • أرسل إلى صديق أرسل إلى صديق
  • نسخة للطباعة نسخة للطباعة
  • نص عادي نص عادي
أخر الإضافات
استقبل اليوم رئيس ائتلاف دولة القانون السيد نوري المالكي نقيب الصحفيين العراقيين الأستاذ نريد اللامي
السيد دولة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني يزور محافظة النجف الاشرف ويفتتح محطة كهرباء العباسية الفرعية
الرضوية تثقل كاهل المواطن بلا رحمة
وزير المالية تستقبل نقيب الصحفيين لبحث دعم التعاون الإعلامي
تحت شعار ( بيعة الغدير رمز الإنسانية والعطاء)
صرخات هتاف البيعة تقترن بالتنديد على العدوان الأسرائيلي
من مكة المكرمة.. الحجاج العراقيون يشيدون بعمل هيئة الحج والعمرة
القنصل التركي يزور مقر نقابة الصحفيين العراقيين فرع النجف الأشرف
نفذ فريق منارة النجف التطوعي ندوه بعنوان الرقي المجتمعي قرار ذاتي لصنع التغير من خلال مشاركتك في الانتخابات
نقابة الصحفيين العراقيين المقر العام تجري اختبار الكفائات
قسم شؤون المرأة في ديوان محافظة النجف الأشرف يقيم دورة حول دور المرأة في القيادة والمشاركة في الانتخابات
جامعة الكوفة تعقد ورشة عمل حول استراتيجيات النجاح في الدفاع المعماري
(URAP) جامعة الكوفة تحقق تتقدمًا ملحوظًا في تصنيف الأداء الأكاديمي للجامعات لعام 2025
جامعة الكوفة تحقق المركزين الأول والثالث في جائزة الإبداع والتميز
نقيب الصحفيين العراقيين يلتقي وزير الاعمار و الاسكان والبلديات لبحث آليات بناء مساكن للصحفيين في بغداد