على هامش نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية

بواسطة عدد القراءات : 2940
حجم الخط: Decrease font Enlarge font

القسم السادس

 علي المؤمن

 

عقبات اختيار مرشح رئاسة الحكومة الجديدة

 

      قبل الحديث عن موضوع مرشح رئاسة مجلس الوزراء الجديد؛ نعيد تأكيد ماذكرناه في الحلقة الثالثة بشأن قضايا التزوير المحرز الذي حصل في الانتخابات؛ وهو أن إعادة العد والفرز يدوياً لن يؤثر كثيراً في النتائج النهائية؛ بالصيغة التي أقرتها المحكمة العليا خلال نظرها في الطعون بقانون التعديل الثالث الذي أصدره مجلس النواب؛ لأنه عد وفرز جزئي، و في حدود الصناديق المطعون بها، وأنه يقتصر على موضوع التزوير الإلكتروني غالباً. في حين أن الخروقات الأساس في الانتخابات تمثلت في قيام جماعات مسلحة أو مجموعات ضغط بإجبار الناخبين في كثير من المحطات على التصويت لقوائم معينة، أو بيع محطات انتخابية بأكملها، وغير ذلك؛ فضلاً عن أن التزوير الأساس في بغداد قد حصل في الصناديق التي تم حرقها في الرصافة. ولذلك فإن العد والفرز الجديد سيؤثر على حوالي ثلاثة بالمائة فقط من النتائج؛ أي تغيير نتائج (10) مقاعد على مستوى العراق بأجمعه. في حين أن قبول جميع الطعون، والتي تضمنت خروقات متنوعة؛ سيؤدي الى تغيير 30 بالمائة من النتائج، وهو مالن يحصل؛ تحت ذريعة المصلحة العليا للبلاد والحفاظ على الأمن الوطني.

     و بالتالي سنبقى نعتمد في قراءاتنا لنتائج الانتخابات على النتائج الأولية التي أعلنتها مفوضية الانتخابات؛ لأن التغيير الطفيف الذي سيطالها؛ لن يؤثر على حجوم الكتل وثقلها العددي.   

      لقد ذكرنا في القسم السابق (الخامس) أن إلزامات التحالف بين سائرون والفتح من جهة، والتفاهم بين سائرون والحكمة والوطنية من جهة ثانية، والتفاهم بين الفتح ودولة القانون من جهة ثالثة، والتفاهم بين النصر وسائرون من جهة رابعة، والتنسيق المفترض بين دولة القانون والنصر من جهة خامسة؛ تشكل الأرضية الواقعية لتشكيل الكتلة الأكبر؛ وصولاً الى تشكيل التحالف الحكومي على أساس تقسيم المناصب وفق الإستحقاقات الانتخابية، وأن الإختلاف بين الكتل الشيعية الخمس الكبيرة لاعلاقة له بالبرنامج الحكومي أو العناوين العامة؛ لأن برامجها متشابهة من الناحية النظرية؛ فضلاً عن إمكانية تنازلها عن المفاهيم الكبيرة؛ بل أن الخلاف الأساس هو على اسم رئيس الحكومة القادمة؛ يليه الخلاف على توزيع الحقائب الوزارية ورئاسات الهيئات المستقلة. وعدا ذلك فإن الخلافات ثانوية.

     وبشأن المواقف من احتمالات تشكيل تحالف الكتلة الاكبر؛ فإن السيناريو الذي ينسجم مع منهج تفكير مرجعيتي طهران والنجف؛ والأكثر تمثيلاً لعقليهما العمليين؛ هو سيناريو جمع كل الأطراف الشيعية في تحالف واحد قدر الإمكان، وعدم عزل أي طرف شيعي؛ لئلا يتحول الى معارض للحكومة ومعوق لحركتها، أو ينحرف عن التوجه الشيعي العام. وهذه هي شيفرة التوافق العملي المستدام بين مرجعيتي النجف وطهران. أما الأمريكان والسعوديون؛ فإنهم يشجعون أي سيناريو يعزل نوري المالكي وكتلة الفتح؛ وإن كان هذا العزل مرفوض طهرانياً ونجفياً؛ فضلاً عن اصطدامه بحقائق الميدان.

     وبما أن الخلاف على اسم رئيس الحكومة القادمة هو الأهم إطلاقاً بين الكتل الشيعية؛ فإن ذلك سيضطرها جميعاً الى اختيار مرشح تسوية تتوافق عليه الكتل الخمس، وحصول كل ائتلاف على استحقاقاته من المواقع الحكومية.

     و ينطوي تشكيل تحالف الكتلة الأكبر المفترض بين ائتلافات الفتح وسائرون والحكمة ودولة القانون والنصر والوطنية على أربعة سيناريوهات:

1-     بقاء حيدر العبادي في المنصب لولاية ثانية. ويواجَه هذا الاحتمال بفيتو إقليمي، وممانعة الفتح ودولة القانون؛ فضلاً عن اشتراطات سائرون.

2-     طرح مرشح تسوية. ويواجَه هذا الاحتمال بترحيب إيراني ونجفي، وموافقة دولة القانون، واشتراطات مركبة من سائرون والفتح.  

      3- ترشيح شخصية من داخل سائرون أو الفتح. وهذا الإحتمال ضعيف، وتواجهه عقبات كثيرة؛ أولها: الموقف الإيراني غير المتحمس لأن يكون رئيس الوزراء الجديد من فصائل الحشد المدعوم منه، وعدم اطمئنانه لمرشح يخضع لإملاءات التيار الصدري. وثانيها   اعتراض حزب الدعوة بجناحيه؛ لأنه يعد المنصب استحقاقه؛ بناءً على حصول جناحيه على (68) مقعداً برلمانياً؛ أي أنه صاحب العدد الأكبر من المقاعد.  

      4- توافق الكتل الشيعية الخمس على مرشح مستقل. وقد لا تكون هذه الصيغة مرضية لحزب الدعوة بشكل عام؛ لكنها ستحل عقدة الكتل الأخرى من استمرار حزب الدعوة في المنصب.  

     و في حال استبعدنا السيناريوهين الأول والثالث؛ لاصطدامهما بعقبات أساسية؛ فإن السيناريوهين الثاني والرابع هما الأقرب الى الواقع. أي أن رئيس الوزراء أما يكون مرشح تسوية يمثل كلا ائتلافي النصر ودولة القانون؛ أي كل حزب الدعوة، ويأخذ من نقاطهما معاً، أو أن يكون مرشحاً توافقياً مستقلاً بين الكتل الشيعية الخمس، وتحافظ كل كتلة على نقاطها.

     وبرغم واقعية السيناريوهين الثاني والرابع؛ إلّا أن كل منهما يواجه بعض العقبات أيضاً، ولكنها عقبات يمكن تذليلها. فأهم عقبة أمام بقاء منصب رئاسة الوزراء بحوزة الدعاة؛ سعي الفتح ممثلاً بهادي العامري للمنصب، أو مرشح بديل، واصرار الحكمة على إبعاد المنصب من حزب الدعوة لمصلحة مرشح قريب منها، وعدم رغبة سائرون والوطنية ببقاء المنصب في حوزة حزب الدعوة. و ربما كان من أهم أهداف التحالف بين الفتح وسائرون؛ قطع الطريق على احتمال طرح حزب الدعوة مرشحاً توافقياً يمثل كلا النصر و دولة القانون. مع الإشارة الى أن سائرون لا يعنيهم المرشح؛ بقدر موافقته على شروطهم وضمان مصالحهم من خلاله؛ سواء كان العبادي أو العامري أو الشكري أو عبد المهدي أو أي مرشح آخر. في حين يناور الحكمة والوطنية على التناقضات بين الكتل الأربع الأكبر لتحقيق أقصى طموحاتهما من الاستحقاقات.

      وما يرفع الجزء الأكبر من العقبات أمام بقاء منصب رئاسة الوزراء في حوزة حزب الدعوة؛ هو خطوة طرح مرشح تسوية يمثل دولة القانون والنصر معاً؛ لأنه يعني ولادة إئتلاف جديد يمتلك (68) نائباً هو الأكبر. في حين لن تصمد مناورة ائتلاف النصر بمفرده أمام كتلتين تتفوقان عليه عدداً؛ أي الفتح وسائرون، ومن حقهما أن يكون لديهما طموح في رئاسة الوزراء. ولذلك ليس أمام حزب الدعوة أية فرصة للاحتفاظ برئاسة الوزراء إلّا إذا توحّد ائتلافاه؛ لأنه الصيغة الوحيدة القادرة على رفع حظوظه.       

      أما سيناريو ترشيح رئيس وزراء مستقل فهو سيناريو ممكن كما ذكرنا؛ لكنه سينتج حكومةً مشلولة وفاشلة، ورئيس وزراء ضعيفاً في أدائه وحركته وقراراته؛ وإن كان عميقاً في أفكاره وخطابه، وقوياً في شخصيته، وكفوءاً في مهنيته؛ لأن وجود رئيس وزراء مستقل يتعارض مع فلسفة التنافس بين الأحزاب عبر الإنتخابات، ويصطدم بمطالبات هذه الأحزاب باستحقاقاتها، وهو أمر بديهي، كما أنه يتناقض مع أساس النظام البرلماني الحزبي. بل سيتحول رئيس الحكومة هذا من شخصية مستقلة الى حزب جديد بمرور الأيام؛ اضطراراً أو بداهة، وستسقط عنه صفة الاستقلالية تلقائياً؛ وإن أصرّ على إضفائها على نفسه؛ لأن طبيعة السلطة الأولى تفرض على رئيسها التحزب والتكتل وتجميع المخلصين والأنصار بأسلوب ممنهج ومنظم؛ وإلّا سينهار حكمه. وسيتبلور الحزب الجديد لرئيس الحكومة المستقل بعد أربع سنوات؛ أي مع اقتراب الانتخابات اللاحقة، وسيكون زعيم الحزب هو الرئيس المستقل سابقاً، والذي سيرشح في الانتخابات على رأس ائتلاف جديد، وسيجذب له وهج السلطة عشرات المقاعد. أما إذا عزف عن الترشح فستسقطه نتائج الانتخابات قطعاً.

      والنتيجة ستكون خسارة العراق أربع سنوات أخرى خاضها في تجربة عبثية فاشلة. وإذا كان هناك من يتصور بأن فرض شروط على رئيس الحكومة المستقل وأخذ تعهدات منه؛ كفيلان بديمومة استقلاليته وخلق مناعة لديه ضد التكتل، وبدعمه في الحركة والأداء؛ فهو واهم جداً، ويتعامل بردود الأفعال.

      ولذلك؛ من الطبيعي؛ بل الضروري؛ أن يكون رئيس وزراء العراق شخصية حزبية؛ رضينا بذلك أو لم نرض؛ لأنه ينسجم مع النظام البرلماني الحزبي المطبّق في العراق.

لا توجد تعليقات

أضف تعليقك

  • عريض
  • مائل
  • تحته خط
  • إقتباس

من فضلك أدخل الكود الذي تراه في الصورة:

Captcha
  • أرسل إلى صديق أرسل إلى صديق
  • نسخة للطباعة نسخة للطباعة
  • نص عادي نص عادي
أخر الإضافات
جامعة الكوفة تعقد ورشة عمل حول استراتيجيات النجاح في الدفاع المعماري
(URAP) جامعة الكوفة تحقق تتقدمًا ملحوظًا في تصنيف الأداء الأكاديمي للجامعات لعام 2025
جامعة الكوفة تحقق المركزين الأول والثالث في جائزة الإبداع والتميز
نقيب الصحفيين العراقيين يلتقي وزير الاعمار و الاسكان والبلديات لبحث آليات بناء مساكن للصحفيين في بغداد
بیان اتحاد المقاولين العراقيين فرع النجف الاشرف
نقابة الصحفيين العراقيين تعقد ندوة حوارية بعنوان "الإعلام العراقي شريك أساسي في الانتصار على داعش"
السجن سبع سنوات لرئيسة هيئة الاستثمار سابقاً إثر حصول تضخم في أموالها وإلزامها برد القيمة
في أكبر أنجاز عربي ودولي.. القاهرة تمنح مصرف الموصل جائزة المصرف الرائد والأول لعام 2024
اليونسكو تقيم دورة تدريبيةحول الذكاء الاصطناعي وأهميته المستقبلية وكيفية الأستفادة منه بالتعاون مع نقابة الصحفيين العراقيين فرع النجف الاشرف
جامعة الكوفة تنظم ندوة إلكترونية مع المعمار الكبير معاذ الالوسي
خطة شاملة في النجف لمواجهة آفة المخدرات وتعزيز التوعية المجتمعية
جامعة الكوفة تشهد انطلاق فعاليات المؤتمر العلمي الدولي، الصحيح من السيرة النبوية وأثرها في بناء الإنسان
نقيب الصحفيين العراقيين والقائم بالأعمال الياباني يبحثان آفاق التعاون الاعلامي والثقافي بين العراق واليابان
موجز أنباء يوم الخميس الموافق 2024/10/14
نقيب الصحفيين العراقيين وسفير جمهورية رومانيا