مهنة التمريض بين الصورة النمطية وخطورة المهمة الصحية

بواسطة عدد القراءات : 4673
حجم الخط: Decrease font Enlarge font

بقلم: الدكتور نعمه العبادي - مدير المركز العراقي للبحوث والدراسات

تمثل الصورة النمطية أهم التحديات التي تواجه المشتغلين في توجيه الرأي العام وإعادة صياغة أفكار المجتمع ،فالتنميط أعتياد مركوز مستقر يترسخ تدريجيا مع مرور الزمان ويتكاثف بالتكرار ويصبح حالة صلدة متحجرة ومستقرة.

تعاني مهمنة التمريض في العراق من صورة نمطية عند النخبة وعند الجمهور الشعبي تتعلق بقيمة وأهمية هذه الوظيفة العظيمة والمهمة ،ففي عين النخبة لا يمثل التمريض خيارا مستقبليا جيدا ضمن المشاريع الدراسية ،وهناك فارق عظيم في ذهنية النخبة بين الصورة النمطية للطبيب والصورة النمطية للمرض أو الممرضة ،كما أن الأعتبارات الأجتماعية للنخبة لا تحبذ هذا الخيار كمشروع مستقبلي لأبنائهم سواء كان منطلق التفكير من تأمين ضمانات مستقبلية لهم أو من جهة التباهي أمام الآخرين ،وأما في العقل الشعبي فإن منظور النخبة أثر كثيرا على صورة التمريض وربما  بل أكيدا ساهمت طبقت الأطباء في "نرجسية النظرة" لكل ما دونهم من العاملين في القطاع الطبي في خلق هذه الصورة المشوهة للتمريض .

"الماسيرة" أو "السستر" هي ألفاظ وتوصيفات أرتكزت خطأ في العقل الجمعي عن مهنة الممرضة والممرض ،فصار حتى الذين لا يمانعون في توظيف بناتهم لا يحبذون هذا الخيار أي خيار ممرضة ،وقد خلقت السنوات الماضية من التاريخ الشعبي في نظرنه وتقديره لعمل الممرضة ومكانتها الأجتماعية تكلسا سيئا يتعلق بهذه الصورة أي ساهم بشكل كبير في أن تترسخ الصورة السيئة عن عمل الممرضة.

وبالرغم من التحدي الكبير الذي يواجه العملية الصحية في ظل النقص الحاد في مهنة التمريض وخصوصا الممرضات إلا أن المؤسسة الثقافية الرسمية والصحية لم تمارس ما ينبغي من خطوات من أجل تفتيت وتحطيم تلك الصورة النمطية السيئة وأعادة بناء صورة حقيقية لمهنة التمريض الجليلة والنبيلة ووضع معطيات أعتبارية ومكاسب مادية حقيقية ودافعة تضع التمريض في مكانه المناسب كما تم معالجة موضوع أطباء التخدير مثلا في دعمهم بمخصصات تميزهم عن غيرهم لخطورة عملهم وكما تعامل طبقة الأطباء والطبيبات في بعض المخصصات المشجعة.

إن نظرة مخطوئة تختزل العملية الصحية بشقيها "الوقائي" و"العلاجي" في أنها قائمة على الطبيب لوحده ،فبالرغم من أهمية الطبيب في كلا الشقين وكونه العمود الفقري للممارسة الطبية وشؤونها إلا أن هناك "كادرا" وسطيا يمتد إلى العامل الذي يحمل المريض بالنقالة أو الكرسي المتحرك المسمى شعبيا بالمعين أو المعينة أو الفراش أو الفراشة ويمر بالصيدلي والمختبر والاشعة ومصرف الدم وبينهم يلمع نجم الممرض أو الممرضة وهم يقودون عملية الرعاية والمتابعة وتنفيذ برنامج العلاج وكل شؤون المسألة الصحية.

إن تزايد أعداد السكان بحيث يتجاوز العراق اليوم أكثر من ثلاثين مليون نسمة ومعها تزايد مهام العملية الصحية ،فالأمراض والأدواء القديمة والجديدة ومخلفات الحروب والحصار وقهر السنين ومشكلات البيئة وتحدياتها وحمى الأرهاب وحصاد المفخخات وضحايا المعارك كلها تمثل زخما مرهقا يقع على عاتق العملية الصحية ويتطلب بالدرجة الأساس تدارك عاجل وعلمي لتعويض المهن الطبية وعلى رأسها التمريض ووضع هذه الأولية ضمن خطة تتكفل تعديل الصورة النمطية المشوهة وأعطاء الأستحقاقات اللازمة المادية والمعنوية لغرض أن يمارس الممرض والممرضة دورهما على أكمل وجه.

إن معهد المهن الصحية العالية وهو يضطلع بدوره في رفد العملية الصحية بهذه المهنة  إلى جانب العديد من المؤسسات المماثلة ،إنما يساهم بشكل جوهري وفعال في سد النقص وتقديم كوادر كفوءة  لرفد العملية الصحية ،إلا  أن مهمته لا تتوقف  هذا الحد بل عليه دور أكبر من ذلك ،فهو شريك فاعل في العملية الصحية وعليه أن يشتغل على تحفيز الرأي العام النخبوي والشعبي  ويثير أمامهم التحديات التي إشرنا إليها من جهة وأن يضمن تقديم طاقات كفوءة ومحبة للمهنة وعلى وعي كامل بالدور المحوري والانساني الذي تقوم به في حياتنا ،بحيث لا تكون تلك المهن ذات الطابع الأنساني المميز ليست مجرد نوافذ للرزق أو عنوان أعتباري وإنما هي مدخل لعمل له أهمية مميزة على العاملين فيه والمجتمع وله خصوصية متفردة دنيويا وأخرويا.

                                               

 

لا توجد تعليقات

أضف تعليقك

  • عريض
  • مائل
  • تحته خط
  • إقتباس

من فضلك أدخل الكود الذي تراه في الصورة:

Captcha
  • أرسل إلى صديق أرسل إلى صديق
  • نسخة للطباعة نسخة للطباعة
  • نص عادي نص عادي
أخر الإضافات
جامعة الكوفة تعقد ورشة عمل حول استراتيجيات النجاح في الدفاع المعماري
(URAP) جامعة الكوفة تحقق تتقدمًا ملحوظًا في تصنيف الأداء الأكاديمي للجامعات لعام 2025
جامعة الكوفة تحقق المركزين الأول والثالث في جائزة الإبداع والتميز
نقيب الصحفيين العراقيين يلتقي وزير الاعمار و الاسكان والبلديات لبحث آليات بناء مساكن للصحفيين في بغداد
بیان اتحاد المقاولين العراقيين فرع النجف الاشرف
نقابة الصحفيين العراقيين تعقد ندوة حوارية بعنوان "الإعلام العراقي شريك أساسي في الانتصار على داعش"
السجن سبع سنوات لرئيسة هيئة الاستثمار سابقاً إثر حصول تضخم في أموالها وإلزامها برد القيمة
في أكبر أنجاز عربي ودولي.. القاهرة تمنح مصرف الموصل جائزة المصرف الرائد والأول لعام 2024
اليونسكو تقيم دورة تدريبيةحول الذكاء الاصطناعي وأهميته المستقبلية وكيفية الأستفادة منه بالتعاون مع نقابة الصحفيين العراقيين فرع النجف الاشرف
جامعة الكوفة تنظم ندوة إلكترونية مع المعمار الكبير معاذ الالوسي
خطة شاملة في النجف لمواجهة آفة المخدرات وتعزيز التوعية المجتمعية
جامعة الكوفة تشهد انطلاق فعاليات المؤتمر العلمي الدولي، الصحيح من السيرة النبوية وأثرها في بناء الإنسان
نقيب الصحفيين العراقيين والقائم بالأعمال الياباني يبحثان آفاق التعاون الاعلامي والثقافي بين العراق واليابان
موجز أنباء يوم الخميس الموافق 2024/10/14
نقيب الصحفيين العراقيين وسفير جمهورية رومانيا