مجانين من دهاليز الأمن الصدامية
المشهد العراقي / فراس الغضبان الحمداني
انتصار الياس داود يوسف مسيحية من مواليد 1957 ، كانت من أجمل طالبات ثانوية العقيدة للبنات ، اسم لايفارق الذاكرة على الاقل بالنسبة لمن يعرفون حكايتها ، وبالنسبة لمن يسمعون الحكاية من جديد او لاول مرة فانها غريبة ومحزنة وصادمة ومثلها حكايات اخرى مثيرة ومخيفة ، ويمكن ان تكون مثلا للصراع في كل حقبة ولافرق بين زمن صدام او الزمن الحالي ، فدفاع المستبدين والمتنفذين واللصوص عن مصالحهم وكراسيهم يقتضي ممارسة اقصى درجات العنف والقمع والتخويف و أقساها لردع المطالبين بالحقوق و الحريات واسكات اصواتهم ، واذا كان من منتفع من الكتاب والصحفيين والنخب الفكرية والمجتمعية فمن الحتم ان هناك من هو صادق في دفاعه عن مصالح الناس البسطاء والمحرومين في مواجهة من يضيع حقوقهم وينهبها ، وهم وصفة حقيقية لهذا الصراع ولهذا الكبت والقمع في كل مكان وزمان ، ويصلحون ليكونوا مثلا للتضحية والبذل من دون الحصول على مكاسب حقيقية .
انتصار الياس مديرة في احد فروع مصرف الرافدين حين كان صدام حسين رئيسا لما يسمى جمهورية العراق في حينه وكانت انتصار تعمل في هذا المصرف المعروف لم يمنعها خوفها من العواقب من ان تقف بقوة في مواجهة لصوص من اسرة صدام واقربائه ، وقد تكون تجهل العواقب وتحمست لدورها واندفعت في المواجهة وقررت كشف جريمة سرقة كبرى لم تفلح محاولات اللصوص المقربين من النظام في ثنيها عن الإستمرار في ملاحقتها وكشفها وكتابة تقرير مفصل فيها لرؤسائها ، وحين هددت ولم تستجيب نفيت على الفور الى دهاليز مديرية الامن العامة صاحبة التاريخ البشع في الاجرام وملاحقة الشعب العراقي المقهور على أمره ، وتعرضت الى تعذيب شديد ادى الى ان تفقد عقلها وتصبح مجنونة بالكامل تنام على الارصفة وتحمل متاعها وثيابها الرثة معها اينما ذهبت تستعطف المارة بينما ذهب المجرمون بعضهم الى مزابل التاريخ وبعضهم مات وترك ماسرق لزوجته وابنائه يتنعمون بها بينما حمل هو وزرها وعارها في الاخرة حين يواجه الرب بالجرم المشهود وينال جزاء مافعل .
اليوم تصلح انتصار مثلا كبيرا فالعراق يضج باللصوص والقتلة الذين عاثوا فسادا في الارض ونسوا انفسهم حين تمكنوا من المنصب والكرسي وصار لهم حضور ووجود بعد ان كانوا على الهامش لاقيمة ولاحضور لهم وكسب بعضهم الملايين والمليارات وتغيرت احوالهم من البؤس الى السكن الفاره والفخم وتغير كل شيء في حياتهم وحياة اسرهم ولم يعودوا يتذكرون الشعب المقهور والمحروم وصار همهم في ملاحقة من يتحدث عن فسادهم ومناصبهم وحولوا الدين الى شعارات بينما توافر لديهم الاستعداد لقمع الناس في حال احتجوا ورفضوا الظلم ونهب المال العام .
كم ياترى لدينا مثل انتصار الياس او لهيب كشمش نعمان تلك المحامية التي رافعت في قضية قتل عدي لخادم اسرة صدام كامل حنا ، التي تم اعتقالها من مسكنها في حي الغدير ورميها في دهاليز الامن العامة ليتم تعذيبها و حقنها بابرة لتخرج بعدها مجنونة تلتحف الارصفة والشوارع حتى توفيت عند باب احدى البنايات ؟ ربما يتوافر لدينا من هؤلاء الذين هم على استعداد لدفع الثمن لكن من غير الممكن تجاهل ان لدينا الآلاف من المتنفذين يملكون الاستعداد لتهديد هؤلاء بوصف انهم يجدون فيهم تهديدا لنفوذهم ومصالحهم وكبتا لمظالمهم .
اخشى ما اخشاه ان يكون مصير انتصار بانتظار كل من يهدد مركز وأموال وسرقات واحد من المتنفذين وهي خشية مبنية على وقائع خاصة مستقاة من حياة العراقيين وتاريخ الظلم الطويل الذي عانوا منه في العقود الماضية .
Firashamdani57@yahoo.com